فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{يا أيها الذين ءامنُواْ إِنّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عدُوّا لّكُمْ}
يشغلونكُم عن طاعةِ الله تعالى أو يخاصمونكُم في أمورِ الدينِ أو الدُّنيا {فاحذروهم} الضميرُ للعدوِّ فإنّه يطلقُ على الجمعِ نحو قوله تعالى: {فإِنّهُمْ عدُوٌّ لِى} أو للأزواجِ والأولادِ جميعا فالمأمورُ بهِ على الأولِ الحذرُ عن الكلِّ وعلى الثاني إما الحذرُ عن البعضِ لأنّ منهم من ليس بعدو وإما الحذرُ عن مجموعِ الفريقينِ لاشتمالِهِم على العدوِّ {وأن تعْفُواْ} عن ذنوبِهِم القابلةِ للعفوِ بأن تكون متعلقة بأمورِ الدُّنيا أو بأمورِ الدينِ لكن مقارنةٌ للتوبةِ {وتصْفحُواْ} بتركِ التثريبِ والتعييرِ {وتغْفِرُواْ} بإخفائِها وتمهيدِ عُذرِها {فإِنّ الله غفُورٌ رّحِيمٌ} يعاملكُم بمثلِ ما عملتُم ويتفضلُ عليكُم. وقيل إنّ ناسا من المؤمنين أرادُوا الهجرة عن مكة فثبطهُم أزواجُهُم وأولادُهُم وقالوا تنطلقون وتضيعوننا فرقُّوا لهُم ووقفُوا فلما هاجرُوا بعد ذلك ورأوا المهاجرين الأولين قد فقهُوا في الدينِ أرادُوا أن يعاقبُوا أزواجهُم وأولادهُم فزُين لهم العفوُ، وقيل قالوا لهُم أين تذهبون وتدعُون بلدكُم وعشيرتكُم وأموالكُم فغضبُوا عليهِم وقالوا لئِن جمعنا الله في دارِ الهجرةِ لم نُصِبكم بخيرٍ فلما هاجرُوا منعُوهُم الخبر فحثُّوا على أنْ يعفُوا عنهُم ويردُّوا إليهِمْ البرّ والصلة.
{إِنّما أموالكم وأولادكم فِتْنةٌ}
بلاءٌ ومحنةٌ يوقعونكُم في الإثمِ من حيثُ لا تحتسبون {والله عِنْدهُ أجْرٌ عظِيمٌ} لمن آثر محبة الله تعالى وطاعتهُ على محبةِ الأموالِ والأولادِ والسعيِ في تدبيرِ مصالحِهِم {فاتقوا الله ما استطعتم} أي ابذلُوا في تقواهُ جهدكُم وطاقتكُم {واسمعوا} مواعظهُ {وأطِيعُواْ} أوامرهُ {وأنْفِقُواْ} مما رزقكُم في الوجوهِ التي أمركُم بالإنفاقِ فيها خالصا لوجهِهِ {خيْرا لأنفُسِكُمْ} أي ائتُوا خيرا لأنفسِكُم وافعلُوا ما هو خيرٌ لها وأنفعُ وهو تأكيدٌ للحثِّ على امتثالِ هذهِ الأوامرِ وبيانٌ لكونِ الأمورِ المذكورةِ خيرا لأنفسِهِم، ويجوزُ أن يكون صفة لمصدرٍ محذوفٍ أو إنفاقا خيرا أو خبرا لكان مقدرا جوابا للأوامرِ أي يكُنْ خيرا لأنفسِكُم {ومن يُوق شُحّ نفْسِهِ فأُوْلئِك هُمُ المفلحون} الفائزون بكلِ مرامٍ.
{إِن تُقْرِضُواْ الله} بصرفِ أموالِكُم إلى المصارفِ التي عينها {قرْضا حسنا} مقرونا بالإخلاصِ وطيبِ النفسِ {يضاعفه لكُمْ} بالواحدِ عشرة إلى سبعمائةٍ وأكثر. وقرئ {يُضعّفهُ لكُم} {ويغْفِرْ لكُمْ} ببركةِ الإنفاقِ ما فرط منكُم من بعضِ الذنوبِ {والله شكُورٌ} يعطى الجزيل بمقابلةِ النزرِ القليلِ {حلِيمٌ} لا يعاجلُ بالعقوبةِ مع كثرةِ ذنوبِكُم {عالم الغيب والشهادة} لا يخفى عليهِ خافيةٌ {العزيز الحكيم} المبالغُ في القدرةِ والحكمةِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أيُّها الذين ءامنُواْ إِنّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عدُوّا لّكُمْ} أي إن بعضهم كذلك فمن الأزواج أزواجا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ويجلبن عليهم، ومن الأولاد أولادا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى، وقد شاهدنا من الأزواج من قتلت زوجها، ومن أفسدت عقله بإطعام بعض المفسدات للعقل، ومن كسرت قارورة عرضه، ومن مزقت كيس ماله ومن، ومن وكذا من الأولاد من فعل نحو ذلك {فاحذروهم} أي كونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم، والضمير للعدو فإنه يطلق على الجمع نحو قوله تعالى: {فإِنّهُمْ عدُوٌّ لِي} [الشعراء: 77] فالمأمور به الحذر عن الكل، أو للأزواج، والأولاد جميعا، فالمأمور به إما الحذر عن البعض لأن منهم من ليس بعدو، وإما الحذر عن مجموع الفريقين لاشتمالهم على العدو {وأن تعْفُواْ} عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا، أو بأمور الدين لكن مقارنة للتوبة بأن لم تعاقبوهم عليها {وتصْفحُواْ} تعرضوا بترك التثريب والتعيير {وتغْفِرُواْ} تستروها بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها {فإِنّ الله غفُورٌ رّحِيمٌ} قائم مقام الجواب، والمراد يعاملكم بمثل ما عملتم، ويتفضل عليكم فإنه عز وجل {غفُورٌ رّحِيمٌ} ولما كان التكليف هاهنا شاقا لأن الأذى الصادر ممن أحسنت إليه أشد نكاية وأبعث على الانتقام ناسب التأكيد في قوله سبحانه: {وأن تعْفُواْ} الخ، وقال غير واحد: إن عداوتهم من حيث إنهم يحولون بينهم وبين الطاعات والأمور النافعة لهم في آخرتهم، وقد يحملونهم على السعي في اكتساب الحرام وارتكاب الآثام لمنفعة أنفسهم كما روي عنه صلى الله عليه وسلم: «يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده يعيرانه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك».
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم على أن يكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببا لذلك وإن لم يطلبوه منه فيهلك، وسبب النزول أوفق بهذا القول.
أخرج الترمذي والحاكم وصححاه وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {المؤمنون يا أيُّها الذين ءامنُواْ إِنّ مِنْ أزواجكم} إلخ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى الآية؛ وفي رواية أخرى عنه أنه قال: كان الرجل يريد الهجرة فيحبسه امرأته وولده فيقول: أما والله لئن جمع الله تعالى بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ فجمع الله عز وجل بينهم في دار الهجرة فأنزل الله تعالى: {المؤمنون يا أيُّها الذين ءامنُواْ إِنّ مِنْ أزواجكم} الآية.
وقيل: إنهم قالوا لهم لئن جمعنا الله تعالى في دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فنزلت، وعن عطاء بن أبي رباح أن عوف بن مالك الأشجعي أراد الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع أهله أولاده فثبطوه وشكوا إليه فراقه فرق ولم يغز، ثم إنه ندم فهم بمعاقبتهم فنزلت، واستدل بها على أنه لا ينبغي للرجل أن يحقد على زوجه وولده إذا جنوا معه جناية وأن لا يدعو عليهم.
{إِنّما أموالكم وأولادكم فِتْنةٌ} أي بلاء ومحنة لأنهم يترتب عليهم الوقوع في الإثم والشدائد الدنيوية وغير ذلك، وفي الحديث: «يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: أكل عياله حسناته» وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات.
وأخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم وصححه عن بريدة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله عليه الصلاة والسلام من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر فقال: صدق الله {إِنّما أموالكم وأولادكم فِتْنةٌ} إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما» وفي رواية ابن مردويه عن عبد الله بن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب الناس على المنبر خرج حسين بن علي على رسول الله عليهما الصلاة والسلام فوطئ في ثوب كان عليه فسقط فبكى فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فلما رآه الناس سعوا إلى حسين يتعاطونه يعطيه بعضهم بعضا حتى وقع في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قاتل الله الشيطان إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت أني نزلت عن منبري».
وقيل: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتنكم الميل إلى الأموال والأولاد عنهما قال في (الكشف): الفتنة على هذا الميل إلى الأموال والأولاد دون العقوبة والإثم، وقدمت الأموال قيل: لأنها أعظم فتنة {كلاّ إِنّ الإنسان ليطغى أن رّءاهُ استغنى} [العلق: 6، 7].
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والترمذي وصححه عن كعب بن عياض سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال».
وأخرج نحوه ابن مردويه عن عبد الله بن أو في مرفوعا؛ وكأنه لغلبة الفتنة في الأموال والأولاد لم تذكر من التبعيضية كما ذكرت فيما تقدم {والله عِنْدهُ أجْرٌ عظِيمٌ} لمن آثر محبة الله تعالى وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسعي في مصالحهم على وجه يخل بذلك.
{فاتقوا الله ما استطعتم} أي ابذلوا في تقواه عز وجل جهدكم وطاقتكم كما أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أنس، وحكي عن أبي العالية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت {اتقوا الله حقّ تُقاتِهِ} [آل عمران: 102] اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى تخفيفا على المسلمين {فاتقوا الله ما استطعتم} فنسخت الآية الأولى، وجاء عن قتادة نحو منه، وعن مجاهد المراد أن يطاع سبحانه فلا يعصى، والكثير على أن هذا هو المراد في الآية التي ذكرناها {واسمعوا} مواعظه تعالى {وأطِيعُواْ} أوامره عز وجل ونواهيه سبحانه {وأنْفِقُواْ} مما رزقكم في الوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها خالصا لوجهه جل شأنه كما يؤذن به قوله تعالى: {خيْرا لاِنفُسِكُمْ} وذكر ذلك تخصيص بعد تعميم، ونصب {خيْرا} عند سيبويه على أنه مفعول به لفعل محذوف أي وأتوا خيرا لأنفسكم أي افعلوا ما هو خير لها وأنفع، وهذا تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان لكون الأمور خيرا لأنفسهم من الأموال والأولاد، وفيه شمة من التجريد، وعند أبي عبيد على أنه خبر ليكن مقدرا جوابا للأمر أي يكن خيرا.
وعند الفراء والكسائي على أنه نعت لمصدر محذوف أي إنفاقا خيرا، وقيل: هو نصب بأنفقوا والخير المال، وفيه بعد من حيث المعنى، وقال بعض الكوفيين: هو نصب على الحال وهو بعيد في المعنى والإعراب {ومن يُوق شُحّ نفْسِهِ} وهو البخل مع الحرص.
{فأُوْلئِك هُمُ المفلحون} الفائزون بكل مرام.
{إِن تُقْرِضُواْ الله}
تصرفوا المال إلى المصارف التي عينها عز وجل، وفي الكلام استعارة تمثيلية {قرْضا حسنا} مقرونا بالإخلاص وطيب النفس.
{يضاعفه لكُمْ} يجعل لكم جل شأنه بالواحد عشرا إلى سبعمائة وأكثر، وقرئ {يضعفه} {ويغْفِرْ لكُمْ} ببركة الإنفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب {والله شكُورٌ} يعطى الجزيل بمقابلة النزر القليل {حلِيمٌ} لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة الذنوب.
{عالِمُ الغيب والشهادة}
لا يخفى عليه سبحانه شيء {العزيز الحكيم} المبالغ في القدرة والحكمة، وفي الآية من الترغيب بالإنفاق ما فيها لكن اختلف في المراد به فقيل: الإنفاق المفروض يعني الزكاة المفروضة وقد صرح به، وقيل: الإنفاق المندوب، وقيل: ما يعم الكل، والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {يأيُّها الذين ءامنُواْ إِنّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عدُوّا لّكُمْ} يعني: أنهم يعادونكم ويشغلونكم عن الخير، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولا أوّليا، وهو أن رجالا من مكة أسلموا، وأرادوا أن يهاجروا، فلم يدعهم أزواجهم ولا أولادهم، فأمر الله سبحانه بأن يحذروهم، فلا يطيعوهم في شيء مما يريدونه منهم مما فيه مخالفة لما يريده الله، والضمير في {فاحذروهم} يعود إلى العدوّ، أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم، بل إلى المتصفين بالعداوة منهم، وإنما جاز جمع الضمير على الوجه الأوّل؛ لأن العدوّ يطلق على الواحد، والاثنين، والجماعة، ثم أرشدهم الله إلى التجاوز، فقال: {وإِن تعْفُواْ وتصْفحُواْ وتغْفِرُواْ} أي: تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها، وتتركوا التثريب عليها وتستروها {فإِنّ الله غفُورٌ رّحِيمٌ} بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم، قيل: كان الرجل الذي ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة إذا رأى الناس قد سبقوه إليها، وفقهوا في الدين همّ أن يعاقب أزواجه وأولاده، فأنزل الله: {وأن تعْفُواْ} الآية، والآية تعمّ وإن كان السبب خاصا، كما عرفناك غير مرة.
قال مجاهد: والله ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم على أن اتخذوا لهم الحرام، فأعطوهم إياه.
ثم أخبر الله سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال: {إِنّما أموالكم وأولادكم فِتْنةٌ} أي: بلاء واختبار ومحنة، يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله، فلا تطيعوهم في معصية الله {والله عِنْدهُ أجْرٌ عظِيمٌ} لمن آثر طاعة الله، وترك معصيته في محبة ماله وولده.
ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} أي: ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه: {اتقوا الله حقّ تُقاتِهِ} ومنهم قتادة، والربيع بن أنس، والسديّ، وابن زيد، وقد أوضحنا الكلام في قوله: {اتقوا الله حقّ تُقاتِهِ} ومعنى {واسمعوا وأطِيعُواْ} أي: اسمعوا ما تؤمرون به، وأطيعوا الأوامر.
قال مقاتل {اسمعوا} أي: اصغوا إلى ما ينزل عليكم، وأطيعوا لرسوله فيما يأمركم وينهاكم.
وقيل: معنى {اسمعوا}: اقبلوا ما تسمعون؛ لأنه لا فائدة في مجرد السماع {وأنْفِقُواْ خيْرا لأنفُسِكُمْ} أي: أنفقوا من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير ولا تبخلوا بها، وقوله: {خيْرا لاِنفُسِكُمْ} منتصب بفعل مضمر دلّ عليه أنفقوا، كأنه قال: ائتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم، أو قدّموا خيرا لها، كذا قال سيبويه.
وقال الكسائي، والفرّاء: هو نعت لمصدر محذوف، أي: إنفاقا خيرا.
وقال أبو عبيدة: هو خبر لكان المقدّرة، أي: يكن الإنفاق خيرا لكم.
وقال الكوفيون: هو منتصب على الحال، وقيل: هو مفعول به لأنفقوا، أي: فأنفقوا خيرا.
والظاهر: في الآية الإنفاق مطلقا من غير تقييد بالزكاة الواجبة، وقيل: المراد زكاة الفريضة، وقيل: النافلة، وقيل: النفقة في الجهاد {ومن يُوق شُحّ نفْسِهِ فأُوْلئِك هُمُ المفلحون} أي: ومن يوق شحّ نفسه، فيفعل ما أمر به من الإنفاق، ولا يمنعه ذلك منه، فأولئك هم الظافرون بكل خير الفائزون بكل مطلب، وقد تقدم تفسير هذه الآية.
{إِن تُقْرِضُواْ الله قرْضا حسنا} فتصرفون أموالكم في وجوه الخير بإخلاص نية وطيب نفس {يضاعفه لكُمْ} فيجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقد تقدّم تفسير هذه الآية، واختلاف القراء في قراءتها في سورة البقرة، وسورة الحديد {ويغْفِرْ لكُمْ} أي: يضمّ لكم إلى تلك المضاعفة غفران ذنوبكم {والله شكُورٌ حلِيمٌ} يثيب من أطاعه بأضعاف مضاعفة، ولا يعاجل من عصاه بالعقوبة.
{عالم الغيب والشهادة} أي: ما غاب وما حضر لا تخفى عليه منه خافية، وهو {العزيز الحكيم} أي: الغالب القاهر ذو الحكمة الباهرة.
وقال ابن الأنباري: {الحكيم} هو المحكم لخلق الأشياء.
وقد أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {يأيُّها الذين ءامنُواْ إِنّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عدُوّا لّكُمْ فاحذروهم} في قوم من أهل مكة أسلموا، وأرادوا أن يأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم، فنزلت إلى قوله: {فإِنّ الله غفُورٌ رّحِيمٌ}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن بريدة قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما واحدا من ذا الشقّ، وواحدا من ذا الشقّ ثم صعد المنبر فقال: «صدق الله: {إِنّما أموالكم وأولادكم فِتْنةٌ}، إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما» وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله: استقرضت عبدي فأبى أن يقرضني، وشتمني عبدي وهو لا يدري، يقول: وادهراه، وادهراه، وأنا الدهر»، ثم تلا أبو هريرة {إِن تُقْرِضُواْ الله قرْضا حسنا يضاعفه لكُمْ}. اهـ.